اشترك معنا

في ظلال القرآن الكريمl



الأعراف
من الاية 180 الى الاية 181
" وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)"
يواجهون دعوة الإسلام بالشرك - الذين يلحدون في أسماء الله ويحرفونها , فيسمون بها الشركاء المزعومين:
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها , وذروا الذين يلحدون في أسمائه , سيجزون ما كانوا يعملون). .
والإلحاد هو الإنحراف أو التحريف . . وقد حرف المشركون في الجزيرة أسماء الله الحسنى , فسموا بها آلهتهم المدعاة . . حرفوا اسم(الله)فسموا به "اللات" . واسم(العزيز)فسموا به "العزى " . . فالآية تقرر أن هذه الأسماء الحسنى لله وحده . وتأمر أن يدعوه المؤمنون وحده بها , دون تحريف ولا ميل ; وأن يدعوا المحرفين المنحرفين ; فلا يحفلوهم ولا يأبهوا لما هم فيه من الإلحاد . فأمرهم موكول إلى الله ; وهم ملاقون جزاءهم الذي ينتظرهم منه . . وياله من وعيد ! . .
وهذا الأمر بإهمال شأن الذين يلحدون في أسماء الله ; لا يقتصر على تلك المناسبة التاريخية , ولا على الإلحاد في أسماء الله بتحريفها اللفظي إلى الآلهة المدعاة . . إنما هو ينسحب على كل ألوان الإلحاد في شتى صوره . . ينسحب على الذين يلحدون - أي يحرفون أو ينحرفون - في تصورهم لحقيقة الألوهية على الإطلاق . كالذين يدّعون له الولد . وكالذين يدّعون أن مشيئته - سبحانه - مقيدة بنواميس الطبيعة الكونية ! وكالذين يدعون له كيفيات أعمال تشبه كيفيات أعمال البشر - وهو سبحانه ليس كمثله شيء - وكذلك من يدعون أنه سبحانه إله في السماء , وفي تصريف نظام الكون , وفي حساب الناس في الآخرة . ولكنه ليس إلهاً في الأرض , ولا في حياة الناس , فليس له - في زعمهم - أن يشرع لحياة الناس ; إنما الناس هم الذين يشرعون لأنفسهم بعقولهم وتجاربهم ومصالحهم - كما يرونها هم - فالناس - في هذا - هم آلهة أنفسهم . أو بعضهم آلهة بعض ! . . وكله إلحاد في الله وصفاته وخصائص ألوهيته . . والمسلمون مأمورون بالإعراض عن هذا كله وإهماله ; والملحدون موعدون بجزاء الله لهم على ما كانوا يعملون !
الدرس الخامس:181 - 183 ملامح الصالحين والمكذبين
ثم يمضي السياق يفصل صنوف الخلق . . بعدما ذكر منهم من قبل أولئك الذين ذرأهم الله لجهنم (لهم قلوب لا يفقهون بها , ولهم أعين لا يبصرون بها , ولهم آذان لا يسمعون بها . . .)ومنهم هؤلاء الذين يلحدون في أسماء الله ويحرفونها . . ثم إن منهم أمة يستمسكون بالحق , ويدعون الناس إليه , ويحكمون به ولا ينحرفون عنه . . وأمة - على الضد - ينكرون الحق , ويكذبون بآيات الله ! فأما الأولون فيقرر وجودهم في الأرض وجوداً ثابتاً لا شك فيه ; وهم حراس على الحق حين ينحرف عنه المنحرفون , ويزيغ عنه الزائغون ; وحين يكذب الناس بالحق وينبذونه يبقون هم عليه صامدين . وأما الآخرون فيكشف عن مصير لهم مخيف , وكيد لله إزاءهم متين:
(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق , وبه يعدلون . والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم إن كيدي متين). .
وما كانت البشرية لتستحق التكريم لو لم تكن فيها دائماً - وفي أحلك الظروف - تلك الجماعة - التي يسميها الله(أمة)بالمصطلح الإسلامي للأمة وهي:الجماعة التي تدين بعقيدة واحدة وتتجمع على آصرتها ; وتدين لقيادة واحدة قائمة على تلك العقيدة - فهذه الأمة الثابتة على الحق ; العاملة به في كل حين , هي الحارسة لأمانة الله في الأرض , الشاهدة بعهده على الناس , التي تقوم بها حجة الله على الضالين المتنكرين لعهده في كل جيل .
ونقف لحظة أمام صفة هذه الأمة:
(يهدون بالحق , وبه يعدلون). .
إن صفة هذه الأمة - التي لا ينقطع وجودها من الأرض أياً كان عددها - أنهم (يهدون بالحق). . فهم دعاة إلى الحق , لا يسكتون عن الدعوة به , وإليه , ولا يتقوقعون على أنفسهم ; ولا ينزوون بالحق الذي يعرفونه . ولكنهم يهدون به غيرهم . فلهم قيادة فيمن حولهم من الضالين عن هذا الحق , المتنكرين لذلك العهد ; ولهم عمل إيجابي لا يقتصر على معرفة الحق ; إنما يتجاوزه إلى الهداية به والدعوة إليه والقيادة باسمه .
(وبه يعدلون). . فيتجاوزون معرفة الحق والهداية به إلى تحقيق هذا الحق في حياة الناس والحكم به بينهم , تحقيقاً للعدل الذي لا يقوم إلا بالحكم بهذا الحق . . فما جاء هذا الحق ليكون مجرد علم يعرف ويدرس . ولا مجرد وعظ يُهدى به ويعرّف ! إنما جاء هذا الحق ليحكم أمر الناس كله . يحكم تصوراتهم الاعتقادية فيصححها ويقيمها على وفقه . ويحكم شعائرهم التعبدية فيجعلها ترجمة عنه في صلة العبد بربه . ويحكم حياتهم الواقعية فيقيم نظامها وأوضاعها وفق منهجه ومبادئه ويقضي فيها بشريعته وقوانينه المستمدة من هذه الشريعة . ويحكم عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وسلوكهم فيقيمها كلها على التصورات الصحيحة المستمدة منه . ويحكم مناهج تفكيرهم وعلومهم وثقافاتهم كلها ويضبطها بموازينه . . . وبهذا كله يوجد هذا الحق في حياة الناس , ويقوم العدل الذي لا يقوم إلا بهذا الحق . . وهذا ما تزاوله تلك الأمة بعد التعريف بالحق والهداية به . .
إن طبيعة هذا الدين واضحة لا تحتمل التلبيس ! صلبة لا تقبل التمييع ! والذين يلحدون في هذا الدين يجدون مشقة في تحويله عن طبيعته هذه الواضحة الصلبة . . وهم من أجل ذلك يوجهون إليه جهودا لا تكل , وحملات لا تنقطع , ويستخدمون في تحريفه عن وجهته وفي تمييع طبيعته , كل الوسائل وكل الأجهزة , وكل التجارب . . هم يسحقون سحقاً وحشياً كل طلائع البعث والحيوية الصلبة الصامدة في كل مكان على وجه الأرض عن طريق الأوضاع التي يقيمونها ويكفلونها في كل بقاع الأرض ! وهم يسلطون المحترفين من علماء هذا الدين عليه , يحرفون الكلم عن مواضعه , ويحلون ما حرم الله , ويميعون ما شرعه , ويباركون الفجور والفاحشة ويرفعون عليها رايات الدين وعناوينه ! وهم يزحلقون المخدوعين في الحضارات المادية , المأخوذين بنظرياتها وأوضاعها ليحاولوا زحلقة الإسلام في التشبه بهذه النظريات وهذه الأوضاع , ورفع شعاراتها , أو الاقتباس من نظرياتها وشرائعها ومناهجها ! وهم يصورون الإسلام الذي يحكم الحياة حادثاً تاريخياً مضى ولا تمكن إعادته , ويشيدون بعظمة هذا الماضي ليخدروا مشاعر المسلمين , ثم ليقولوا لهم - في ظل هذا التخدير -:إن الإسلام اليوم يجب أن يعيش في نفوس أهله عقيدة وعبادة , لا شريعة ونظاماً , وحسبه وحسبهم ذلك المجد التاريخي القديم ! هذا والإ فإن على هذا الدين أن "يتطور" فيصبح محكوماً بواقع البشر , يبصم لهم على كل ما يقدمونه له من تصورات وقوانين . وهم يضعون للأوضاع التي يقيمونها في العالم - الذي كان إسلامياً - نظريات تأخذ شكل العقيدة والدين , لتحل محل ذلك الدين القديم ! وينزّلون لها قرآناً يتلى ويدرس , ليحل محل ذلك القرآن القديم ! وهم يحاولون تغيير طبيعة المجتمعات - كما يحاولون تغيير طبيعة هذا الدين - كوسيلة أخيرة , حتى لا يجد هذا الدين قلوباً تصلح للهداية به ; فيحولون المجتمعات إلى فتات غارق في وحل الجنس والفاحشة والفجور , مشغول بلقمة العيش لا يجدها إلا بالكد والعسر والجهد , كي لا يفيق , بعد اللقمة والجنس , ليستمع إلى هدى , أو يفيء إلى دين !
إنها المعركة الضارية مع هذا الدين والأمة التي تهدي به وتحاول أن تعدل به . . المعركة التي تستخدم فيها جميع الأسلحة بلا تحرج , وجميع الوسائل بلا حساب ; والتي تجند لها القوى والكفايات وأجهزة الإعلام

عنوان الموضوع: "في ظلال القرآن الكريمl"

إرسال تعليق

إقرأ أيضا:

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة